كم نسبة الدم الطبيعي: دراسة شاملة حول حجم الدم في الجسم البشري ووظائفه الحيوية

المقدمة

يُعد الدم أحد أهم مكونات الجسم البشري، إذ يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على الحياة، من خلال نقله للأكسجين والعناصر الغذائية إلى مختلف الأنسجة، وتخليص الجسم من الفضلات والسموم، إضافة إلى دوره المركزي في المناعة وتنظيم درجة الحرارة. ومن هنا، فإن فهم النسبة الطبيعية لحجم الدم في الجسم يُعد من الأمور الضرورية التي تلقي بظلالها على العديد من الجوانب الطبية والتشخيصية.

يتغير حجم الدم الطبيعي في الجسم تبعًا لعدة عوامل، من أبرزها الجنس، والعمر، والوزن، ومستوى اللياقة البدنية، والحالة الصحية العامة. ويُقاس حجم الدم الكلي في الجسم بوحدة اللتر أو المليلتر، ويُعرف أيضًا باسم “حجم الدم الكلي” Total Blood Volume. في هذا المقال، سنستعرض النسبة الطبيعية للدم عند الإنسان، ونوضح تفاصيل تركيب الدم، والعوامل المؤثرة في حجمه، وكذلك أهمية معرفة هذه النسبة في الممارسات الطبية والتشخيصية.

أولًا: ما هو الدم وممّ يتكوّن؟

الدم هو نسيج ضام يتكوّن من خلايا دموية معلقة في سائل يُعرف باسم البلازما، ويشكّل الدم حوالي 7% إلى 8% من إجمالي وزن الجسم.

مكونات الدم الرئيسية:

1. البلازما (Plasma):

   • تمثّل حوالي 55% من حجم الدم.

   • سائل أصفر فاتح يحتوي على الماء (حوالي 90%)، بالإضافة إلى البروتينات، والهرمونات، والشوارد، والجلوكوز، والفضلات الأيضية.

2. خلايا الدم:

   • كريات الدم الحمراء (Red Blood Cells): تمثل النسبة الأكبر من الخلايا وتشكل حوالي 45% من حجم الدم الكامل. وظيفتها نقل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة.

   • كريات الدم البيضاء (White Blood Cells): مسؤولة عن الدفاع المناعي ضد العدوى.

   • الصفائح الدموية (Platelets): تساهم في عملية التجلط ومنع النزيف.

ثانيًا: كم نسبة الدم الطبيعي في جسم الإنسان؟

1. نسبة الدم عند البالغين:

يختلف حجم الدم الطبيعي حسب الجنس والوزن، ولكن متوسط النسبة يمكن تحديده كالتالي:

2. نسبة الدم عند الأطفال والرضّع:

• الرضيع حديث الولادة: حوالي 85 إلى 90 مل لكل كغ من وزن الجسم.

• الطفل الصغير: حوالي 75 إلى 80 مل لكل كغ.

• الطفل الأكبر سنًا: حوالي 70 إلى 75 مل لكل كغ.

3. نسبة الدم عند الرياضيين:

الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام قد تكون لديهم نسبة دم أعلى نسبيًا بسبب زيادة عدد كريات الدم الحمراء لتحسين نقل الأكسجين، وهو ما يُعرف بالتكيّف الفيزيولوجي.

ثالثًا: العوامل التي تؤثر على نسبة الدم في الجسم

هناك مجموعة من العوامل تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على كمية الدم الكلي في الجسم، منها:

1. الجنس:

الرجال عادةً ما يكون لديهم حجم دم أعلى بسبب الكتلة العضلية الأكبر ومستويات أعلى من هرمون التستوستيرون، مما يزيد إنتاج كريات الدم الحمراء.

2. الوزن والطول:

الأشخاص الذين يمتلكون كتلة جسدية أكبر يحتاجون إلى كمية دم أعلى لتغذية جميع أنسجة الجسم.

3. الحالة الصحية:

بعض الأمراض مثل النزيف الحاد، وفقر الدم، وأمراض الكبد، تؤثر على نسبة الدم الطبيعية في الجسم.

4. الجفاف أو فرط الترطيب:

• الجفاف يؤدي إلى انخفاض حجم البلازما.

• فرط الترطيب يمكن أن يؤدي إلى تمدد الدم، مما يقلل من تركيز مكوناته.

5. الحمل:

في فترة الحمل، يزداد حجم الدم الكلي بنسبة تصل إلى 50% لتلبية احتياجات الجنين والمشيمة.

رابعًا: أهمية معرفة نسبة الدم الطبيعي

معرفة حجم الدم الطبيعي تساعد الأطباء في العديد من الممارسات الطبية، وتشمل:

1. التقييم قبل العمليات الجراحية:

تُستخدم معلومات حجم الدم لتقدير كمية النزيف المتوقعة أثناء الجراحة وتحديد الحاجة لنقل الدم.

2. تشخيص النزيف الخفي:

في بعض الحالات قد لا يكون النزيف الخارجي واضحًا، ولكن انخفاض حجم الدم مؤشر هام على وجود نزيف داخلي.

3. إدارة الصدمة الدموية (Hypovolemic Shock):

عندما ينخفض حجم الدم بشكل حاد، يتطلب التدخل السريع لتعويض السوائل وتجنب فشل الأعضاء.

4. تشخيص أمراض الدم:

تغير نسبة الدم قد يكون علامة مبكرة على أمراض مثل فقر الدم (Anemia) أو كثرة الحمر (Polycythemia).

خامسًا: علاقة نسبة الدم بمستوى الهيموغلوبين والهيماتوكريت

• الهيموغلوبين (Hemoglobin): هو البروتين الموجود في كريات الدم الحمراء الذي يرتبط بالأكسجين. المستويات الطبيعية تختلف حسب الجنس:

  • الرجال: 13.8 – 17.2 غ/ديسيلتر

  • النساء: 12.1 – 15.1 غ/ديسيلتر

• الهيماتوكريت (Hematocrit): هو النسبة المئوية لحجم كريات الدم الحمراء من حجم الدم الكلي.

  • الرجال: 40 – 54%

  • النساء: 36 – 48%

أي انخفاض أو ارتفاع في هذين المؤشرين يرتبط بتغيرات في نسبة الدم وتركيبه، ويُستخدم سريريًا لتشخيص الكثير من الحالات.

سادسًا: متى يعتبر حجم الدم غير طبيعي؟

يُعتبر حجم الدم غير طبيعي في الحالات التالية:

1. نقص حجم الدم (Hypovolemia):

يحدث عند فقدان كميات كبيرة من الدم أو السوائل نتيجة للنزيف، الإسهال، الحروق، أو الجفاف الشديد. الأعراض تشمل:

• دوار

• انخفاض ضغط الدم

• تسارع ضربات القلب

2. زيادة حجم الدم (Hypervolemia):

يحدث نتيجة فشل الكلى، أو قصور القلب، أو تلقي كميات كبيرة من السوائل الوريدية. الأعراض تشمل:

• تورم الأطراف

• صعوبة في التنفس

• ارتفاع ضغط الدم

سابعًا: طرق قياس نسبة الدم

لا يتم قياس حجم الدم مباشرة في معظم الحالات، وإنما يتم تقديره باستخدام تقنيات غير مباشرة تشمل:

1. الطرق الحسابية:

يُستخدم الوزن والجنس والطول لتقدير الحجم التقريبي للدم وفقًا لمعادلات مثل:

حجم الدم الكلي = الوزن بالكغ × عامل معين (70 للرجال، 65 للنساء، 80 للأطفال)

2. اختبارات الدم:

مثل الهيموغلوبين والهيماتوكريت، التي تشير إلى كثافة وتركيبة الدم.

3. تصوير القلب والرئة:

لتقدير الضغط وحجم الدورة الدموية في الحالات المرضية المزمنة.

ثامنًا: التغيرات الفسيولوجية في نسبة الدم

1. التأقلم مع المرتفعات:

في الأماكن المرتفعة عن سطح البحر، يزداد عدد كريات الدم الحمراء لتعويض نقص الأكسجين، مما يزيد حجم الدم الكلي.

2. التدريب الرياضي المكثف:

يعزز من إنتاج كريات الدم الحمراء والبلازما لتحسين الأداء البدني.

3. الدورة الشهرية:

قد تؤدي لفقدان مؤقت للدم عند النساء، ولكن الجسم يعوّض ذلك بشكل طبيعي دون تأثير دائم على نسبة الدم الكلي.

تاسعًا: الحالات الطبية المتعلقة بتغير نسبة الدم

1. فقر الدم (Anemia):

انخفاض عدد كريات الدم الحمراء أو الهيموغلوبين يؤدي إلى أعراض مثل التعب، والشحوب، وتسارع ضربات القلب.

2. كثرة الحمر الحقيقية (Polycythemia Vera):

زيادة غير طبيعية في عدد كريات الدم الحمراء، ما يزيد من لزوجة الدم ويهدد بتجلطات دموية.

3. النزيف الداخلي أو الخارجي:

يؤدي إلى فقدان كبير في حجم الدم ويشكل حالة طارئة.

عاشرًا: العناية بحجم الدم الطبيعي

للحفاظ على نسبة دم طبيعية وصحية، يُنصح باتباع الإرشادات التالية:

• شرب كميات كافية من الماء يوميًا لتجنب الجفاف.

• تناول غذاء غني بالحديد وحمض الفوليك وفيتامين B12 لتعزيز إنتاج كريات الدم الحمراء.

• مراقبة الأمراض المزمنة مثل أمراض الكلى أو القلب.

• الفحص الدوري للدم خاصةً لمن لديهم تاريخ مرضي مع أمراض الدم أو النزيف.

• ممارسة الرياضة بانتظام لتحسين الدورة الدموية وزيادة كفاءة القلب والرئتين.

المصادر

1. Guyton and Hall. Textbook of Medical Physiology. Elsevier Health Sciences.

2. World Health Organization (WHO) – Blood Safety and Availability.